سألتُ أمين عام اللجنة الأولمبية اليمنية، محمد الأهجري: ألا ترى أن بعثتنا الرياضية إلى دورة التضامن الإسلامي في قونيا كانت كبيرة..؟
أجابني: لو كان هناك مجال لرفعنا عدد الرياضيين المشاركين في هذه الدورة.
ومضى يوضح فكرته قائلاً: الظروف التي يعيشها اليمن تحرم الرياضيين اليمنيين من المشاركة الخارجية لفترات طويلة، وهذا يؤثر سلبيًّا في اللاعبين، وإلا كيف يمكن للاعبي الرياضات المختلفة أن يحافظوا على علاقتهم بالألعاب التي يمارسونها ويواصلون نشاطهم الداخلي.
لا بد أن تُربط ألعاب الظل تحديدًا بشيء من الأمل، وتدفع لاعبيها للاستمرار في التمارين والمباريات المحلية بحماس.. مهم جدًّا الإبقاء على الأمل عند اللاعبين ومدربيهم، وإلا فسيعتزلون الرياضة أو يستسلمون للترهل.
* ووجدتني أتفق مع تفسيره المنطقي لِما اعتقدته تضخم في عدد الألعاب المشارِكة.
أما لو أخذنا في الاعتبار حالة البهجة التي صنعتها البعثة اليمنية في حفل افتتاح الدورة، والحفاوة اللافتة في ترحيب الجمهور التركي بمجرد إعلان مذيع الحفل عن دخول بعثة اليمن أرض ملعب الاحتفال، فهو أمر أوقعني في قشعريرة الإحساس بالزهو حتى وبلدي بحالٍ يُفترض به أن يصعب حتى على الكافر والزنديق.
* قلت له: كيف تم الإنفاق على هذه المشاركة في زمن ألعاب رياضية يمنية مهمشة الدعم، حيث لا تحتل الرياضة اليمنية أيّ مساحة في التفكير الحكومي؟، فقال: كان لا بد لليمن أن تشارك، وكان علينا في اللجنة الأولمبية أن ندخر ما تحصل عليه اللجنة من دعم التضامن الأولمبي لهذه المشاركة، وعدم الاستسلام للعائق المادي في زمن صارت الرياضة محرقة للمال.
* كلام أمين عام اللجنة الأولمبية اليمنية أحدث الكثير من العصف الذهني في رأسي، وتذكرت كيف أننا في اليمن ننشغل بالنتائج في كل شيء، ولا نهتم بالمقدمات على الرغم من أن من٠٠٠ يزرع الشوك لا يجني الفراولة..!
على سبيل المثال، فإن خروج 11 لعبة رياضية يمنية بميداليتين برونزيتين من دورة التضامن الإسلامي في تركيا، هو أمر يجسد أن لكل حقيقة وجوهها المتعددة وفقًا لزاوية النظرة.
* من ناحية.. هناك بلدان محدودة الجغرافيا والمكان تغرف ميداليات التتويج، لكنها تعيش وفرة في الإمكانات وفي العقول الإدارية المساندة على قواعد ضمان التطور، في الزمن نفسه ماضيًا وحاضرًا، غير أن ما يقدَّم للرياضة اليمنية في زمن الحروب والأزمات هو من الانحسار والبخل بحيث يجعل أيّ إنجاز مهما ظهر بسيطًا هو إنجاز محسوب للاعبي اليمن الذين تواجدوا في منافسة جمعت 54 دولة إسلامية حلت اليمن فيها في المركز الأربعين، مخلفةً وراءها 11 دولة عادت من دورة تركيا بخُفيّ حُنين.
* وسعيًا لتوضيح الصورة سأعتمد على ما هو مكثف في النقاط التالية:
– الرياضة اليمنية تفتقر لتفاصيل هي بالنسبة للآخرين مسلّمات بدائية، لكن هذه التفاصيل غائبة في اليمن، حيث لا تحتل الرياضة بألعابها المختلفة أيّ وضع محترم في التفكير، رغم تعدد الحكومات، خاصة في زمن الأزمات التي تتحول إلى شمّاعة لحجب الرعاية والدعم عن اتحادات ألعاب الظل، لدرجة أنه لم يترسخ في الأذهان مفهوم حق المواطنين في الحياة والراتب، وحقه في الصحة والتعليم وبقية حقوق الإنسان، ولو حضر ذلك فإن الرياضة اليمنية ستفرض نفسها على الخارطة… ويكفي لفت النظر إلى أن اثنين من ثلاثة لاعبين أحرزوا ميدالية برونزية لليمن في كرة الطاولة، جاءوا من خارج اليمن.. إبراهيم جبران المحترف في نادي قطر، وعمر الكدس الذي يلعب في منتخبنا اليمني، ويعمل مدربًا في سلطنة عمان.
* وكما كان لمشاركة منتخب الطاولة في بطولة غرب آسيا انعكاساتها الإيجابية على ما قدمه هذا المنتخب في قونيا.. كانت برونزية لاعب الكيك بوكسنج محمد السعيدي على اتصال بفرصة إعداده خارجيًّا أيضًا.
وغير خافٍ على أيّ متابع أن إنجازات بطل الجودو علي خصروف، أو الانجازات السابقة لبطل الجمباز نشوان الحرازي لم تكن ارتجالية أو حصاد الصدفة، وإنما كانت ثمرة إعداد طويل ومعسكرات مدروسة.. ومن الإنصاف الاعتراف بأن مراكز الإعداد التي تشرف عليها اللجنة الأولمبية حافظت على تحريك المياه الراكدة لألعاب الظل رغم تواضع الإمكانات التي توفر مناخًا تدريبيًّا يتناسب وحجم الطموحات التي تعمل في نفوس اللاعبين واللاعبات الذين يحاولون باستمرار التغلب على المعوقات وتجاوزها بالحماس والطموح الشخصي وحبهم لليمن، لكن كل ذلك وإن حفظ لهذه الألعاب البقاء، إلا أنه لا يفي بمعيار التأهيل لخوض المنافسات الكبيرة.
وحسب كل مجتهد أن ينطلق في نشاطه وتضحيته من القول بأن وجود الشيء خير من عدمه، أو أن (ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جُلّه).
* وإذا ما كان عندنا أيّ جدّية في تلافي التقصير، وعدم تكرارها، فإنه يبقى معلقًا باجتراح طريقة للارتقاء بوعي الهيئات الرياضية الحكومية والأهلية بما يحقق الدعم الذي يؤتي ثماره، ارتقاء يفرز البراعم والناشئين حسب ميولهم، ويركز على الناشئين الموهوبين في كل لعبة، ومدهم بعناصر القوة والتطور.
وليس أفضل من الناشئ الذي ينبهر باللعبة التي يحبها في أجواء توسع قاعدة الممارسات، وترصد المواهب وتُطورها.
* وإلى أن يأتي ذلك ليتنا – مبدئيًّا – نتجه إلى استصدار مواد قانونية تعفي الأدوات والملابس الرياضية من الجمارك والضرائب؛ حتى لا تكون أسعارها فوق احتمال حركة رياضية تعاني من أوضاع معيشية لا تجعل الرياضة تُمثل أي أولوية.. والنتائج المنظورة والبعيدة معروفة.